منتديات بحر الامل

منتديات بحر الامل (http://www.bhralaml.com/vb/index.php)
-   ۩{روحانيات إيمانيه }۩ (http://www.bhralaml.com/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   الاستهزاء بالله أو بشرعه أو برسله (http://www.bhralaml.com/vb/showthread.php?t=100221)

الفاتنة 2024-03-03 01:01 AM

الاستهزاء بالله أو بشرعه أو برسله
 
الاستهزاء بالله أو بشرعه

أو برسله

الفرق بين السُّخْرِية والاستهزاء:
قال البعض: إن السُّخْرِية والاستهزاء معناهما واحد؛ وعلى ذلك فسَّر كثيرون السُّخْرِية بالاستهزاء[1]، ولكنَّ الواقع اللغوي وتأمُّل ما ورَد مِنْ ذلك في القرآن الكريم يشيرانِ إلى وجود نوعٍ من الفرق بينهما، ويتمثَّل هذا الفرق في أن الهزء: "هو إظهار الجِدِّ، وإخفاء الهَزْلِ فيه"؛ (التوقيف على مهمات التعاريف: ص 343).
أي: إنه يكون في القول المصحوب بسوء النِّية، ولا يشترط فيه أن يسبقه فعلٌ من أجله يُسْتَهْزأُ بصاحبه.
أمَّا السُّخْرِية، فإنها تكون بالفعلِ أو بالإشارة، وتكون بالقول، ويسبقها في العادَة فعلٌ مِنْ أجله يُسْخَر بصاحبه، ويتلخَّص من ذلك أن بينهما فرقًا من جهتين:
الأولى: السُّخْرِية تكون بالفعل وبالقول، والهزء لا يكون إلاَّ بالقول، الثانية: أن السُّخْرِية يسبقها عملٌ مِنْ أجله يُسْخَر بصاحبه، أما الاستهزاء فلا يسبقه ذلك؛ (الفروق لأبي هلال العسكري: ص249).
رأينا في هذا الزمان ومِن قبله بزمانٍ مَن يستهزئون بالرسل والأنبياء، وبشرعِ الله الحكيم، ولم يسلَم منهم حتى ربُّ العالمين، وهذا مِنَ الكفر الواضح البيِّن، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [المائدة: 57، 58].
• وقال تعالى: ﴿ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا ﴾ [الكهف: 56].
• وقال تعالى: ﴿ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾ [التوبة: 64 - 66].
وسبب نزول هذه الآية:
ما ذكره ابن جرير الطبري وابن أبي حاتم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "قال رجل في غزوةِ تبوك في مجلسٍ: "ما رأيتُ مثلَ قُرَّائِنا هؤلاء؛ أرغب بُطُونًا، ولا أكذب ألسُنًا، ولا أجبَن عن اللِّقاء! فقال رجلٌ في المسجد: كذبتَ ولكنك منافقٌ، لأُخْبِرَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن، فقال عبدالله بن عمر: وأنا رأيته مُتعلِّقًا بحَقَبِ ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تنكبُهُ الحجارةُ وهو يقول: يا رسول الله، إنَّما كنَّا نخوض ونلعب! ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ﴿ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴾؟!".
• وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ﴾ [الرعد: 32].
• وقال تعالى: ﴿ وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ * وَمَا يَأْتِيهِم مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الزخرف: 6 - 8].
وأخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "كان قومٌ يسألون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم استهزاءً، فيقول الرجل: مَن أبِي؟ ويقول الرجلُ تَضِلُّ ناقتُه: أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾ [المائدة: 101]، حتى فرغ من الآيةِ كلِّها".
وفي "مسند الإمام أحمد" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لمَّا كان ليلة أُسْرِي بي وأصبحتُ بمكة، فَظِعْتُ بأمري، وعرَفتُ أن الناس مُكَذِّبِيَّ))، فقَعَدَ[2] معتزلاً حزينًا، قال: فمَرَّ عدوُّ الله أبو جهل، فجاء حتى جلس إليه، فقال له كالمستهزِئ: هل كان من شيء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم))، قال: ما هو؟ قال: ((إنه أُسْرِيَ بي[3] الليلة))، قال: إلى أين؟ قال: ((إلى بيتِ المقدس))، قال: ثمَّ أصبحتَ بين ظَهْرَانَيْنَا؟ قال: ((نعم))، قال: فلم يُرِ أنه يُكَذِّبُهُ؛ مخافة أن يجحده الحديثَ إذا دعا قومَهُ إليه، قال: أرأيت إن دعوتُ قومك تُحَدِّثُهُم ما حَدَّثْتَنِي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم)) ..." الحديث.
وأخرج الإمام أحمد عن عروة بن الزبير أنه قال:
"قلتُ لعبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ما أكثر ما رأيت قُريشًا أصابَت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانت تُظهِرُ من عداوته؟ قال: حَضَرْتُهُم وقد اجتمع أشرافُهم يومًا في الحِجرِ، فذكروا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ما رأينا مثلَ ما صبرنا عليه من هذا الرجل قَطُّ، سفَّه أحلامَنا، وشتم آباءنا، وعابَ ديننا، وفرَّق جماعتنا، وسبَّ آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمرٍ عظيمٍ - أو كما قالوا - قال: فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشي حتى استلم الركنَ، ثم مرَّ بهم طائفًا بالبيت، فلمَّا أن مرَّ بهم غَمَزُوه ببعض ما يقول، قال: فعرفتُ ذلك في وجهه، ثمَّ مضى، فلما مرَّ بهم الثانية غَمَزُوه بمثلِها، فعرفتُ ذلك في وجهه، ثم مضى، ثم مرَّ بهم الثالثة فغَمَزُوه بمثلِها، فقال: ((تسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفسُ محمدٍ بيده، لقد جئتُكُم بالذَّبْح))، فأَخَذَتِ القومَ كلمتُه، حتى ما منهم رجلٌ إلا كأنما على رأسه طائرٌ واقعٌ، حتى إن أشدهم فيه وَصَاةً[4] قبل ذلك لَيَرْفَؤُهُ[5] بأحسن ما يجد من القول، حتى إنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم، انصرف راشدًا، فوالله ما كنتَ جهولاً، قال: فانصرَفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحِجْرِ وأنا معهم، فقال بعضُهم لبعضٍ: ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه، حتى إذا بادَأَكُم بما تكرهون تركتُمُوهُ، فبينما هم في ذلك، إذ طلعَ (عليهم) رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فوثبوا إليه وثبةَ رجل واحد، فأحاطوا به، يقولون له: أنت الذي تقول: كذا وكذا؟ لما كان يَبْلُغُهُم عنه من عيب آلهتهم ودينهم، قال: فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم، أنا الذي أقول ذلك))، قال: فلقد رأيتُ رجلاً منهم أخذ بمجمع رِدَائِهِ، قال: وقام أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه دُونَهُ، يقول وهو يبكي: ﴿ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ﴾ [غافر: 28]، ثم انصرفوا عنه؛ فإن ذلك لأشدُّ ما رأيتُ قريشًا بلغَت منه قطُّ"؛ (قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: صحيح).
وقفة:
على كلِّ مَن حضر مجلسًا يُسْتَهْزَأ فيه بكتاب ربِّنا أو بِسُنَّة رسولنا صلى الله عليه وسلم - أن ينهى عن هذا المنكر، ويأمرهم بالمعروف، ويبيِّن لهم خطورةَ الأمر؛ فإنْ عجَزَ عن ذلك، فعليه أن يغادر هذا المجلس؛ حتى لا يكون من أهل هذه الآية، قال تعالى: ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 140].

[1] وممَّن ذهب إلى هذا ابن كثير رحمه الله في "تفسيره" (4/ 4): حيث فسَّر ﴿ يَسْتَسْخِرُونَ ﴾ بـ ﴿ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾.
[2] في "المسند": "قَعَدَ"، وفي مجمع الزوائد: "قَعَدْتُ".
[3] وفي راوية: "أسري به".
[4] وَصَاة: بفتح الواو والصاد المهملة المخففة: الوصية.
[5] ليَرْفؤه: يسكِّنه، ويرفق به، ويدعو له.

بشاير 2024-03-03 01:12 AM

الفاتنة
جزاكم الله خيـر
بارك الله في جهودكم
وأسال الله لكم التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك
ونفعا الله وإياكم بما تقدمه لنا

الفاتنة 2024-03-03 02:32 AM

بشاير

جزاك الله خيرا لروعة تواجدك
شكرا لك

♔ الراقية ♔ 2024-03-03 04:08 PM

جزاك الله كل خير

الفاتنة 2024-03-05 07:49 AM

جزاكم الله خيرا لروعة تواجدكم
شكرا لكم
جزاكم الله خيرا لروعة تواجدكم
شكرا لكم

صقر 2024-03-05 09:05 AM

جزاكم الله خير
بارك الله فيكم
جعلها في موازين حسناتكم

♕حُلوة الحُب♕ 2024-04-18 05:36 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفاتنة (المشاركة 921001)
الاستهزاء بالله أو بشرعه

أو برسله

الفرق بين السُّخْرِية والاستهزاء:
قال البعض: إن السُّخْرِية والاستهزاء معناهما واحد؛ وعلى ذلك فسَّر كثيرون السُّخْرِية بالاستهزاء[1]، ولكنَّ الواقع اللغوي وتأمُّل ما ورَد مِنْ ذلك في القرآن الكريم يشيرانِ إلى وجود نوعٍ من الفرق بينهما، ويتمثَّل هذا الفرق في أن الهزء: "هو إظهار الجِدِّ، وإخفاء الهَزْلِ فيه"؛ (التوقيف على مهمات التعاريف: ص 343).
أي: إنه يكون في القول المصحوب بسوء النِّية، ولا يشترط فيه أن يسبقه فعلٌ من أجله يُسْتَهْزأُ بصاحبه.
أمَّا السُّخْرِية، فإنها تكون بالفعلِ أو بالإشارة، وتكون بالقول، ويسبقها في العادَة فعلٌ مِنْ أجله يُسْخَر بصاحبه، ويتلخَّص من ذلك أن بينهما فرقًا من جهتين:
الأولى: السُّخْرِية تكون بالفعل وبالقول، والهزء لا يكون إلاَّ بالقول، الثانية: أن السُّخْرِية يسبقها عملٌ مِنْ أجله يُسْخَر بصاحبه، أما الاستهزاء فلا يسبقه ذلك؛ (الفروق لأبي هلال العسكري: ص249).
رأينا في هذا الزمان ومِن قبله بزمانٍ مَن يستهزئون بالرسل والأنبياء، وبشرعِ الله الحكيم، ولم يسلَم منهم حتى ربُّ العالمين، وهذا مِنَ الكفر الواضح البيِّن، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [المائدة: 57، 58].
• وقال تعالى: ﴿ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا ﴾ [الكهف: 56].
• وقال تعالى: ﴿ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾ [التوبة: 64 - 66].
وسبب نزول هذه الآية:
ما ذكره ابن جرير الطبري وابن أبي حاتم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "قال رجل في غزوةِ تبوك في مجلسٍ: "ما رأيتُ مثلَ قُرَّائِنا هؤلاء؛ أرغب بُطُونًا، ولا أكذب ألسُنًا، ولا أجبَن عن اللِّقاء! فقال رجلٌ في المسجد: كذبتَ ولكنك منافقٌ، لأُخْبِرَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن، فقال عبدالله بن عمر: وأنا رأيته مُتعلِّقًا بحَقَبِ ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تنكبُهُ الحجارةُ وهو يقول: يا رسول الله، إنَّما كنَّا نخوض ونلعب! ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ﴿ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴾؟!".
• وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ﴾ [الرعد: 32].
• وقال تعالى: ﴿ وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ * وَمَا يَأْتِيهِم مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الزخرف: 6 - 8].
وأخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "كان قومٌ يسألون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم استهزاءً، فيقول الرجل: مَن أبِي؟ ويقول الرجلُ تَضِلُّ ناقتُه: أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾ [المائدة: 101]، حتى فرغ من الآيةِ كلِّها".
وفي "مسند الإمام أحمد" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لمَّا كان ليلة أُسْرِي بي وأصبحتُ بمكة، فَظِعْتُ بأمري، وعرَفتُ أن الناس مُكَذِّبِيَّ))، فقَعَدَ[2] معتزلاً حزينًا، قال: فمَرَّ عدوُّ الله أبو جهل، فجاء حتى جلس إليه، فقال له كالمستهزِئ: هل كان من شيء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم))، قال: ما هو؟ قال: ((إنه أُسْرِيَ بي[3] الليلة))، قال: إلى أين؟ قال: ((إلى بيتِ المقدس))، قال: ثمَّ أصبحتَ بين ظَهْرَانَيْنَا؟ قال: ((نعم))، قال: فلم يُرِ أنه يُكَذِّبُهُ؛ مخافة أن يجحده الحديثَ إذا دعا قومَهُ إليه، قال: أرأيت إن دعوتُ قومك تُحَدِّثُهُم ما حَدَّثْتَنِي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم)) ..." الحديث.
وأخرج الإمام أحمد عن عروة بن الزبير أنه قال:
"قلتُ لعبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ما أكثر ما رأيت قُريشًا أصابَت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانت تُظهِرُ من عداوته؟ قال: حَضَرْتُهُم وقد اجتمع أشرافُهم يومًا في الحِجرِ، فذكروا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ما رأينا مثلَ ما صبرنا عليه من هذا الرجل قَطُّ، سفَّه أحلامَنا، وشتم آباءنا، وعابَ ديننا، وفرَّق جماعتنا، وسبَّ آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمرٍ عظيمٍ - أو كما قالوا - قال: فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشي حتى استلم الركنَ، ثم مرَّ بهم طائفًا بالبيت، فلمَّا أن مرَّ بهم غَمَزُوه ببعض ما يقول، قال: فعرفتُ ذلك في وجهه، ثمَّ مضى، فلما مرَّ بهم الثانية غَمَزُوه بمثلِها، فعرفتُ ذلك في وجهه، ثم مضى، ثم مرَّ بهم الثالثة فغَمَزُوه بمثلِها، فقال: ((تسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفسُ محمدٍ بيده، لقد جئتُكُم بالذَّبْح))، فأَخَذَتِ القومَ كلمتُه، حتى ما منهم رجلٌ إلا كأنما على رأسه طائرٌ واقعٌ، حتى إن أشدهم فيه وَصَاةً[4] قبل ذلك لَيَرْفَؤُهُ[5] بأحسن ما يجد من القول، حتى إنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم، انصرف راشدًا، فوالله ما كنتَ جهولاً، قال: فانصرَفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحِجْرِ وأنا معهم، فقال بعضُهم لبعضٍ: ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه، حتى إذا بادَأَكُم بما تكرهون تركتُمُوهُ، فبينما هم في ذلك، إذ طلعَ (عليهم) رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فوثبوا إليه وثبةَ رجل واحد، فأحاطوا به، يقولون له: أنت الذي تقول: كذا وكذا؟ لما كان يَبْلُغُهُم عنه من عيب آلهتهم ودينهم، قال: فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم، أنا الذي أقول ذلك))، قال: فلقد رأيتُ رجلاً منهم أخذ بمجمع رِدَائِهِ، قال: وقام أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه دُونَهُ، يقول وهو يبكي: ﴿ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ﴾ [غافر: 28]، ثم انصرفوا عنه؛ فإن ذلك لأشدُّ ما رأيتُ قريشًا بلغَت منه قطُّ"؛ (قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: صحيح).
وقفة:
على كلِّ مَن حضر مجلسًا يُسْتَهْزَأ فيه بكتاب ربِّنا أو بِسُنَّة رسولنا صلى الله عليه وسلم - أن ينهى عن هذا المنكر، ويأمرهم بالمعروف، ويبيِّن لهم خطورةَ الأمر؛ فإنْ عجَزَ عن ذلك، فعليه أن يغادر هذا المجلس؛ حتى لا يكون من أهل هذه الآية، قال تعالى: ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 140].

[1] وممَّن ذهب إلى هذا ابن كثير رحمه الله في "تفسيره" (4/ 4): حيث فسَّر ﴿ يَسْتَسْخِرُونَ ﴾ بـ ﴿ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾.
[2] في "المسند": "قَعَدَ"، وفي مجمع الزوائد: "قَعَدْتُ".
[3] وفي راوية: "أسري به".
[4] وَصَاة: بفتح الواو والصاد المهملة المخففة: الوصية.
[5] ليَرْفؤه: يسكِّنه، ويرفق به، ويدعو له.

الفاتنة
جزاك الله خير
جعله الله في ميزان حسناتك

سحاب 2024-05-11 02:57 AM

.
.

https://www.up.bhralaml.com/uploads/171538222864231.gif

.
.


الساعة الآن 04:50 AM

 »:: تطويرالكثيري نت :: إستضافة :: تصميم :: دعم فني ::»

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
هذا الموقع يستخدم منتجات Weblanca.com
المشاركات المكتوبة والمنشورة لا تعبر عن رأي منتدى بحرالامل ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك (ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر)