الغَرَض الذي سِيقَتْ له: تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشارته بالنصر والتمكين.
ومناسبتها لما قبلها: أنه لما بيَّن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ليس بأول مَن كذبه قومه، بل كذب قبلهم قوم نوح وعاد وثمود... إلخ، وذكر أنه دمَّر المكذبين، وأمره أن يعلنَ للناس بشارة المؤمنين، وتحذير الذين يقفون في طريق دعوة المرسلين - سلَّاه مرة ثانية بأن جميع الأنبياء والمرسلين قد وُقف في طريق دعوتهم؛ فنصر الله أولياءه، ورمى بعاقبة السوء أعداءه.
وقوله: ﴿ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ ﴾:
(مِن) داخلة على المفعول لاستغراق النفي للجنس.
والرسولُ هو: مَن بَعَثَهُ الله بشريعة جديدة يدعو الناس إليها، والنبي: مَن بعثه الله بشريعة جديدة يدعو الناس إليها، أو بعثه لتقرير شريعة سابقة كأنبياء بني إسرائيل، فالنبيُّ أعمُّ مِن الرسول.
وقوله: ﴿ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ﴾؛ أي: إلا حين اشتهى هداية قومه إلى الحق، طرح الشيطان في طريق مشتهاه الكثير من العوائق والعراقيل؛ بإغواء بعض القوم وإغرائهم وصدهم عن سبيل الله.
والجملة التي بعد (إلا) في موضع نصب على الحال من رسول.
و(إذا) لمجرد الظرفية؛ لأن (إلا) إِنْ وَلِيها فعل مضارع لا يحتاج إلى شرط يشترط له؛ نحو: ما رأيت زيدًا إلا يفعل كذا، وإن وليها ماضٍ اشترط أن يكون مصحوبًا بقد أو سبق إلا فعل كما هنا، فقوله: (ألقى) قد ولي إلا في التقدير؛ لأن الظرف يتوسع في الفصل به.
و(تمنَّى) بمعنى: اشتهى، والمفعول محذوف؛ يعني: هداية قومه جميعًا؛ إذ هذه أمنية الأنبياء والمرسلين.
و(ألقى) بمعنى: طرَح ووضع، والمفعولُ محذوف؛ يعني: الإغواء والإغراء بالشُّبه والفِتَن؛ إذ هو مقصود الشياطين، فدأبهم أن يسعَوا في آيات الله معاجِزين، وفي هذا التركيب حذف؛ إذ العطف بالواو يقتضي عود الضمير مطابقًا للمتعاطفين، وأصل الكلام: وما أرسلنا مِن قبلك من رسول إلا إذا تَمَنَّى ألقى الشيطان في أمنيته، ولا نبي إلا إذا تَمَنَّى ألقى الشيطان في أمنيته، فحذف من الأول لدلالة الثاني عليه، على حدِّ قوله: ﴿ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 62].
وقوله: ﴿ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ﴾؛ أي: فيُزيل الله ما وضعه الشيطان في طريق أمنية المرسلين من العوائق والعراقيل.
وقوله: ﴿ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ﴾؛ أي: ثم يبقي الله أمارات الحق ظاهرة متقنة؛ فينصر أولياءه ويُدمِّر أعداءه.
والتعبير بـ(ثم) للإشارة إلى أن مدة المحنة قد تطول، ولكنها لا بد وأن تزول.
وقوله: ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ تذييل لتقرير ما قبله، وجملة: ﴿ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً ﴾ تعلل لإلقاء الشيطان، و(الفتنة) الضلالة، و(ما) في ﴿ مَا يُلْقِي ﴾ موصولة أو مصدرية، وهي المفعول الأول، والمفعول الثاني (فتنة)، و(الذين في قلوبهم مرض) هم عامة الكفار، و(القاسية قلوبهم) خواص من الكفار تحجرت قلوبهم؛ كأبي جهل والنضر وعتبة، و(قلوبهم) مرتفعٌ بالقاسية المعطوفة على (الذين قلوبهم مرض)[1].
وقوله: ﴿ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾؛ أي: وإن الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم لفي عداوة ومخالفة شديدة، وقد وضع الظاهر موضع الضمير لتسجيل وصفهم بالظلم.
وقوله: ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾؛ أي: وإن الذين أوتوا العلم والإيمان لمهديُّون إلى طريق الحق، وقد وضع الظاهر موضع الضمير لتسجيل وصفهم بالإيمان والإشارة إلى علية الرشد.
وقد قرئ: ﴿ لَهَادٍ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ بالتنوين، فالموصول بعد (هادٍ) منصوب به، وقرأ الجمهور ﴿ لَهَادِ الَّذِينَ ﴾ بالإضافة.
وقوله: ﴿ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ ﴾ إلى آخر الآية، عودٌ إلى شرح حال الكفار، و(المرية) الشك، والضمير في (منه) للحق، ويجوز أن يكون الضمير لما يلقيه الشيطان، و(من) على هذا للسببية.
وقوله: ﴿ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيم ﴾؛ أي: يستمر شكهم إلى قيام الساعة المفاجئة للناس أو يعجل عليهم عذابًا مستأصلًا لهم.
جزاك الله خير الجزاء .. ونفع بك ,, على الطرح القيم
وجعله في ميزان حسناتك
وألبسك لباس التقوى والغفران
وجعلك ممن يظلهم الله في يوم لا ظل الا ظله
وعمر الله قلبك بالأيمان
على طرحك المحمل بنفحات ايمانيه
سررت لتواجدي هنا في موضوعك